عانت المنطقة العربية في السنوات الأخيرة من تحدّيات كبرى على المستوى السياسي، تمثَّلت في ازدياد حدّة النزاعات الإقليميَّة، وتفشّي الصراعات والحروب الأهليَّة، ورافق ذلك انتشار الاعتداءات والهجمات الإرهابيَّة، في ظل صعود خطابات الكراهيَّة الطائفيَّة والمتطرِّفة، والتي زادت من حدَّة الصراعات وأطالت من أمدها.
فأصبحت حالة الدول العربيَّة ما بين دول منهارة عاجزة عن تلبية الحاجات الأساسيَّة لمواطنيها، وما بين دولٍ تعاني من التسلُّط والاستبداد السياسي، حتى الدول التي عرفت قدراً من الاستقرار؛ طالتها يد الإرهاب لتزيد من عبء التحدّيات الأمنيَّة والاقتصاديَّة عليها، نتجَ عن ذلك مشكلات اجتماعيذَة واقتصاديَّة، كان في مقدّمتها موجات الهجرة واللجوء، وتفكُّك المجتمعات، أضيفت إلى المشكلات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة التي تعاني منها المنطقة بشكلٍ مزمن؛ حيث يشكِّل الشباب النسبة الكبرى من المواطنين، في ظل عدم القدرة على توفير فرص التعليم والعمل الكافية، ما يؤدي إلى بقاء نسب الفقر والبطالة ضمن مستويات مرتفعة.
وتنعكس هذه الأوضاع الصعبة على العمليَّة التعليميَّة والتربويَّة للشباب في المنطقة، حيث يؤدِّي التحدّي الأمني إلى إغلاق وتضييق الفضاءات العامة والمنابر أمام الشباب. كما تتراجع مستويات وفرص التعليم، نتيجة لقلّة فعالية المؤسّسات الحكوميَّة، بالإضافة إلى ضعف قدرات مؤسّسات المجتمع المدني وعجزها عن القيام بالدور المنشود.
تأسست الرابطة العربية للتربويين التنويريين لتكون فضاء ومنصَّة مستقلَّة لدعم المؤسَّسات والمشاريع الفاعلة في مجال التنوير والتجديد الديني في المنطقة العربية، والتي تعتمد التعليم والتدريب آليَّة لها. وتوفِّر الرابطة الدعم الفني والإعلامي لهذه المشاريع وتساعدها في الترويج لرسالتها. كما توفِّر لها شبكة علاقات إقليميَّة ودوليَّة لبناء قدراتها في صياغة ونشر الخطاب التنويري وتحويله إلى ثقافةٍ عامَّة..
والمقصود بـ التربويين هم المؤسَّسات والمشاريع والأفراد المشتغلون على برامج تربويَّة فاعلة تعمل على إيصال النِتاج والمواد التنويريَّة النظريَّة إلى مختلف شرائح المجتمع، من خلال شرحها و/أو التدريب عليها، وإدخالها في الثقافة المُعاشة اليوميَّة للفرد والمجتمع.
وأما المقصود بالتنويريينهم الذين يسعون إلى تقديم إجابات جديدة لأسئلة وتحدِّيات العصر الراهنة، سواء فيما يتعلَّق بالنواحي الاعتقاديَّة أو السياسيَّة أو الاقتصاديَّة أو التربويَّة أو الحضاريَّة، مع استنادهم للقيم التنويريَّة التي جاء بها القرآن، والتي أصَّلت لكرامة الإنسان وحرّيته وحقوقه، ودعت إلى التعارف والحوار بين البشر، وإلى التفكُّر والسؤال وطلب الحقّ والحكمة. مع تبنّيهم لتراث المسلمين وتاريخهم واجتهاداتهم كتجربة إنسانيَّة مفيدة محترمة ومهمَّة، إلا أنها كبقيَّة الاجتهادات البشريَّة ظرفيَّة وغير ملزمة.
الاجتماع التشاوري:
جاء اللقاء التداولي الأول للرابطة العربيَّة للتربويّين التنويريّين تحت شعار: “نحو مأسسة قيم التنوير في الثقافة العربيَّة المعاصرة”، والذي كان على يومي 21-22 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، في مدينة عمّان بالأردن، برعاية المنبر الدولي للحوار الإسلامي.
حضر اللقاء التداولي 40 مشاركاً ممثّلين لأكثر من 30 مؤسَّسة فاعلة في حقل الحوار والتربية والتنوير في كل من مصر، الأردن، السودان، تونس، الجزائر، المغرب، السعودية، البحرين، الامارات، العراق، بالإضافة لمشاركة من تركيا، بالإضافة إلى شخصيّات مستقلَّة.
ناقش المشاركون في الجلسة الأولى “مبادئ التنوير وقيمه المشتركة الكبرى” والمعتمدة عند روّاد مشاريع التربية والتثقيف التنويري من أساتذة ومفكرين وكتّاب في المنطقة العربيَّة.
كما ناقش المشاركون في الجلسة الثانية تصوراتهم عن “الصيغ الإجرائيَّة” الأنسب والأكفأ لتأسيس رابطة هدفها دعم المبادرات التنويريَّة وتنسيق جهود الروّاد والتشبيك بينهم، تعزيز وبناء قدراتهم المنظماتيَّة، وكذلك وضعهم على خارطة التأثير في الحراك الثقافي والمجتمعي.
أثار المشاركون العديد من الأسئلة حول موضوع اللقاء وحول مفهوم ” التنوير الديني” وحول ” القيم المشتركة”. وفي هذا السياق ناقش المشاركون بحريَّة ومسؤوليَّة مرتكزات التنوير وإشكالياته مثل مقاربة التراث ومرجعيَّة القرآن الكريم في مقاربات ” التنوير الديني”، ومناهج التعاطي معه. حرصَ المنبر والمشاركون على نجاح اللقاء وجعله حواراً عمليّاً من أجل إعداد لائحة مبادئ ولائحة نظام داخلي ومأسسة وإطلاق مبادرة للتنويريّين العاملين في برامج التعليم الديني والمدني والتثقيف بكافة أشكاله.
استفاد المشاركون من فرصة اللقاء في بناء علاقات تفاهم وثقة، و استثمروا جلسات اللقاء بكفاءة عالية، وسهّلوا بذلك مهمَّة صياغة تصوّر مشترك عمّا تمخَّض عنه الاجتماع، ووضع برنامج متابعة واقعي لإطلاق الرابطة رسميّاً.
اجتماع الشباب التشاوري:
عقدت الرابطة العربيَّة للتربويّين التنويريّين لقاءها التشاوري الثاني، في العاصمة الأردنيَّة عمّان، على يومي ٣٠ ابريل، و ١ مايو ٢٠١٦.
وقد خُصِّص اللقاء للحضور الشبابي من الفئة العمريَّة (١٨ – ٣٠)؛ حيث شارك في الفعاليّات ٣٠ شاباً من المهتمّين والناشطين في مجال التجديد والتنوير الديني، من ٧ دول عربيَّة، هي: الأردن، والمغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، واليمن، والعراق.
وهَدَف اللقاء إلى دمج الشباب في الرابطة من خلال الاستفادة من آرائهم وملاحظاتهم حول الوثائق التأسيسيَّة، والوقوف على تطلعاتهم وآمالهم من الرابطة، وفتح الباب أمامهم لتأسيس مبادراتهم ومشاريعهم وإلحاقها بجسم الرابطة.
وتميَّز اللقاء بمشاركة الدكتور نجاح كاظم (رحمه الله) الذي لم يبخل على الشباب العربي التنويري بمشاركة تجربته وخبرته الطويلة مع المنبر الدولي للحوار الإسلامي، و الراصد التنويري، وأجاب على تساؤلات الشباب واستفساراتهم وقدّمَ لهم النصح والطريق الأسلم للعلم والمعرفة.
الاجتماع التأسيسي للرابطة
استضافت العاصمة الأردنيَّة عمّان في الفترة ما بين 14 -16 أيار/مايو 2016م، الاجتماع التأسيسي للرابطة العربيَّة للتربويّين التنويريّين، وهو الاجتماع الذي يأتي بعد اجتماع تشاوري أول في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 .واجتماع شبابي عربي بداية شهر أيار/مايو 2016م.
حضر هذا الاجتماع التأسيسي للرابطة، ممثِّلون عن ست عشرة منظَّمة مجتمع مدني مهتمَّة بموضوع التربية والثقافة من مختلف الدول العربيَّة، والذين ناقشوا لثلاثة أيام الوثائق المؤسسة للرابطة و صادقوا عليها، كما ناقشوا بالتفصيل التصوّر الاستراتيجي لعمل الرابطة وطبيعة مهامها في التنسيق والتشبيك ودعم صوت التنوير في المنطقة العربيَّة.
شهد اللقاء التأسيسي للرابطة العربيَّة للتربويّين التنويرييّن أيضا، المصادقة على النظام الأساسي، كما تمَّ انتخاب أعضاء مجلس الأمناء الذي تشكَّلَ من 7 أعضاء من الهيئة العامّة عن طريق الاقتراع السرّي.
اجتمع مجلس أمناء الرابطة فوراً في أول لقاء له، واختار محرز الدريسي رئيس منتدى الجاحظ في تونس رئيساً لمجلس الأمناء، بعدها قام المجلس بتكليف عبيدة فرج الله الفاعل المدني المعروف في الأردن بمهامّ الرئيس التنفيذي للرابطة.