نظَّم مركز دراسة الإسلام والديمقراطية ورشة مغلقة حول دور الإعلام الديني في التوقّي من التطرف، وذلك يوم الثلاثاء 30 يناير بنزل المشتل في تونس العاصمة بحضور نخبة من الفاعلين والمتدخلين في الشأن الديني من باحثين وخبراء وأئمة ومفكرين وسياسيين.
وقد تضمَّنت أشغال الورشة جلستين حواريتين تناولت الأولى تقييم الإعلام الديني وأثثها الأساتذة صلاح الدين الجورشي رئيس تحرير موقع شبيبة. تي ان، ومحمد بن حمودة إمام خطيب ومستشار لدى منصة الخطاب الجديد في وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، وغفران حسايني إعلامي وطالب دكتوراه في الحضارة والفكر الإسلامي المعاصر ومحمود جاء بالله باحث ومعد برامج بقناة الزيتونة.
وتناولت الجلسة الثانية افكارا ومقترحات عملية في تطوير الإعلام الديني وتدخَّل فيها الأساتذة احميده النيفر رئيس رابطة تونس للثقافة والتعدَّد، وكمال بن يونس مدير عام إذاعة الزيتونة، وإبراهيم الشايبي أستاذ بالمعهد العالي للحضارة الإسلامية ومقدم برامج دينية، وهيثم الإمام اعلامي في إذاعة الزيتونة.
افتتح الدكتور رضوان المصمودي أشغال الورشة في كلمة رحب خلالها بالحاضرين واضعا الورشة في سياقها المتعلق بتطوير الخطاب الديني بعد عقود من تهميشه والنهوض بالإعلام الديني حتى يلعب أدواره المتأكدة في نشر قيم التسامح ومكافحة التطرف.
كان الأستاذ صلاح الدين الجورشي أول المتدخلين في الجلسة الأولى وقد تطرق إلى تعريف الإعلام الديني بما هو مجمل المنظومة التي تجمع مختلف وسائل وأشكال إيصال الخطاب الإسلامي بمختلف مكوناته إلى عموم الناس ويشمل البرامج الدينية والإذاعية والصفحات المتخصصة في الجرائد ومواقع الانترنيت. واعتبر الجورشي أن هذا الإعلام الديني في تونس لا يزال محدودا ولا يجيب الرأي العام بشكل مباشر ولا يزال إعلاما متعثرا وغير معترف به في الأوساط العلمية الجامعية أو من قبل السلطة. وتساءل عن مدى قدرة هذا الإعلام على إثارة الحوار وطرح المشاكل وشد المشاهد معتبرا أنه يفتقر إلى رؤية واضحة بسبب عوامل عديدة أبرزها الصعوبات الهيكلية التي يواجهها الفكر الإسلامي ومدى قدرته على الاستجابة لاحتياجات المؤمنين والناس. وهو ما يتطلبإاعادة النظر في مضمونه وأدواته وما دام هذا الرصيد غير محدّث فإن الإعلام الديني سيعكس مضمونا ضعيفا وسيبقى مترددا. كما تطرق الأستاذ الجورشي إلى ما أسماه “الوسيط” معتبرا غياب الخبرة في إيصال المضامين والإحاطة بالمعرفة الدنيا وإثارة اهتمامات الناس وفضولهم مشكلا قائما حيث يقوم الإعلام الديني على متطوعين وليس على خبراء ومختصين داعيًا إلى التركيز على هذا الوسيط من خلال مساعدته وبناء قدراته حتى يكون تأثيره أعمق وأوسع وفي الاتجاه الصحيح. وختم الجورشي مداخلته بالإشارة إلى أزمة الثقافة الإسلامية في هذه المرحلة وضرورة الاعتراف بأزمة الخطاب الإسلامي وضرورة القيام بنقد ذاتي لفهم مشكلة إيصال الخطاب الديني وكيف يمكن تأطير الوسيط حتى يرتقي بدوره ويساهم في عملية الانتقال الديمقراطي الذي يفترض التنوع والاختلاف ويرفض الأحادية والانغلاق.
من جهته أشار الأستاذ محمد بن حمودة إلى علاقة الإعلام بالشأن الديني من حيث أنها علاقة رد فعل حيث يقع اللجوء إلى الأئمة والمختصين بشكل عرضي مثل الفترات التي تعرف عمليات إرهابية. واعتبر بن حمودة أن الإعلام الديني يتوفر على نقاط قوة ونقاط ضعف، أما القوة فهي أنه ما زال بكرا ومفتوحا على الأفكار والاجتهادات والتجديد، أما الضعف فهو حصره في مناسبات مثل الحج ورمضان.
واقترح بن حمودة برامج تأهيل وتدريب وتطوير آليات واستراتيجيات عملية لمواجهة الإرهاب وإنشاء قاعدة بيانات حول الخطاب المتطرف والإرهاب ومتعلقاته والرد عليها وتفنيدها ومقارعة الحجة بالحجة وبعث برامج باللغات والتنسيق بين الإذاعات العربية والتفكير في برامج مشتركة بما أنّ القضية مشتركة. واعتبر أن الإعلام الديني يجب أن يقوم على الفهم والاقناع وليس على التلقين والتعالي والانفصال عن المجتمع والشباب وعلى التواصل الإلكتروني والمباشر والعارف بأدوات التواصل الجديد. وكذلك تجديد أشكال الخطاب والقطع مع اللغة القديمة والترهيب والتخويف المنفر للناس من الدين.
اما الأستاذ غفران الحسايني فقد قسم مداخلته إلى ثلاث عناصر: مدخل تاريخي ومفهوم الإعلام ورهانات التصدي للتطرف. وأرجع الإعلام الديني إلى بدايات القرن الماضي وتحديدا 1904 مع تجربة “السعادة العظمى” للشيخ محمد الخضر حسين ثم بعد زيارة محمد عبده إلى تونس تأسست مجلة “المنار” ثم تلتها مجلة “الآداب” في 1919 للبحث في العلوم العقلية الإسلامية كما يقول روادها ثم المجلة الزيتونية 1936 ومجلة “الأفكار” التي أسسها الزيتوني محمد صالح الخماسي. الإعلام الديني ليس طارئا مع إذاعة الزيتونة 2007 أو قناة اقرأ 1998 أو ما تلاها مع قنوات الفجر والرسالة والمجد. أما من ناحية التعريف الأكاديمي للإعلام الديني فقد عرفه الحسايني باعتباره التوجه بخطاب ديني إسلامي على وجه التخصيص ويكون مسموعا أو مقروءا أو مكتوبا عبر الوسائط المختلفة وهو جزء من الخطاب الإسلامي باعتبار ما يعيشه الخطاب ينعكس آليا على الإعلام الديني من تقوقع أو انفتاح.
أما رهانات التصدي للتطرف فقد اكد ان اقوى التنظيمات الموجودة في الشبكات الإلكترونية هي التنظيمات الإرهابية من ناحية قدرتها على الترويج لخطابها واستقطاب العناصر من شتى بقاع العالم وتجنيدها. وضرب مثالا مجلة “دابق” وهي مجلة داعش التي تترجم لـ16 لغة في العالم وتوزع دوريا وبكثافة وبإخراج محترف وكذلك فيديوهات داعش الصوتية والمرئية وقدرتها على إيصال رسائل التنظيمات الإرهابية من حيث خطتها الاتصالية القائمة على الانفعال والإدراك ورد الفعل شديدة التأثير نفسيا في الجمهور.
وختم الحسايني مداخلته بطرح رهانات التصدي للتطرف من خلال العمل على الخطاب الإسلامي من جهة التصالح مع قيم المعاصرة وهو أمر واقع على عاتق العلماء والمفكرين وليس على عاتق الإعلامي. وثانيا مسؤولية الإعلامي من حيث هو حامل لرسالة وليس مجرد مقدم برامج فهو وسيط بين حضارة عظيمة وبين الناس عامة وهو بوابة للإسلام يجب أن يتمثل جسامة الأمر. ودعا للتفكير في استراتيجية واضحة لأن الإسلام يسرق وهو يخوض اليوم أعظم معركة في تاريخه لأنه يواجه حربا من داخله على خلاف حروبه السابقة ضد أعداء خارجيين. لذلك يجب خوض معركة التنوير ومعركة الواقع للتأثير والفعل الحضاري.
تطرقت المداخلة الأخيرة التي قدمها الأستاذ محمود جاء بالله إلى اهمية الإعلام بمختلف وسائطه وتجديداته في تحول المجتمعات باعتباره صانعا للفكر والرأي ودافعا لمختلف جوانب الحياة. واعتبر الدين اصطلاحا ولغة منهج حياة يلامس كل جوانب الحياة واعتبر هذا الأمر غير مكرس باعتبار هيمنة الخطاب الداعي إلى فصل الدين عن السياسة والمجتمع. ومن هذا المنطلق اعتبر جاء بالله أن تشخيص واقع الإعلام لا يمكن أن يكون بمنأى عن المفهوم الصحيح للدين وضرب مثالا أنه لا يمكن في قناة الزيتونة تناول قضايا يشتغل عليها الإعلام بشكل آخر مثل المهرجانات والسينما والمسرح والفنون حيث اعتبر أن تناولها يجب أن يكون باعتبارها أدوات لتغيير المجتمع والإسلام قد لامس هذه القضايا في كل جوانبها.
واعتبر أن هناك أزمة مفاهيم ومصطلحات مثل الجماعات الإرهابية المتطرفة حيث يقع إلصاق الإسلام بالتطرق إلى تشويش الفهم.
أما في التشخيص فقد اعتبر جاء بالله أن عناصر التشخيص تتعلق بالجانب المفاهيمي وبفلسفة الإعلام الديني من حيث خصائصه ومميزاته ووظائفه على المستوى الفردي والمجتمعي ومسؤوليته في الدعوة للإسلام وخدمة قضايا الأمة وفي مقدمتها قضية فلسطين وقضية الأقليات المسلمة المضطهدة، وماهي جملة التحديات المطروحة مثل الاستشراق والتغريب والغزو الثقافي. ختم بن جاء بالله مداخلته بضرورة توفر قواعد تبنى عليها خطة الاتصال بما هو علم والتعامل معه على هذا الأساس.
خلال النّقاش، تدخل الأستاذ صالح عطية (صحفي) طارحا قضية وحدة الخطاب الديني ومتسائلا عن الفاعلين في الإعلام الديني هل هم الائمة والمشايخ أم هم المفكرون أم الشباب أم مقدمو البرامج، ومن هي الفئة المستهدفة بالإعلام الديني وكيف يمكن المصالحة مع المجتمع وترغيب الشباب خاصة في المتابعة وهو ما يتطلب تطوير أشكال التسويق، وكذلك قضية المرجعيات. واعتبر الأستاذ محمد القوماني (أستاذ تفكير إسلامي) أن هناك خطابًا دينيًا في وسائل الإعلام ولا يوجد إعلام ديني ولكن بالإمكان بناءه. هناك اختلاف في مفهوم الدين نفسه فهل الإسلام مجال من المجالات ام هو منهج حياة. والمشكل في الخطاب حيث يعكس الخطاب الديني في الإعلام أزمة الخطاب الإسلامي في النخبة والمجتمع حيث الهيمنة المطلقة للخطاب التقليدي حيث تتطور في الشكل ولكن تحافظ على نفس المضمون التقليدي والمحافظ. والسؤال هو لماذا فشل الخطاب الإسلامي المستنير والحداثي فيما “نجح” فيه الخطاب التقليدي وهو ما نلمسه في أغلب مداخلات المحاضرين.
وتدخل الأستاذ رضا الكزدغلي (مختص في الاتصال) مميزا بين الإعلام الديني من جهة والعملية التواصلية من جهة أخرى معتبرا أننا بحاجة إلى عقل متعدد مستنير واستراتيجي وعقل مهاراتي وآخر تحليلي استشرافي وآخر تفاعلي حتى يمكن تنزيل الأفكار ومحاورة الآخرين واستشراف المستقبل. وأن القضية هي قضية التجديد والإسلام هي قضية كل المجتمع وليست قضية حزب أو جماعة أو مدرسة بعينها لذلك يجب توزيع الأدوار للوصول إلى قيمة مضافة أعلى تخرج من الانهزامية وتبدع الأدوات اللازمة للفكر الجديد. وتساءل حمزة عن مدى تمثل الفاعل الديني للهم الديني ومسؤولية تغيير المجتمع.
واعتبر اسكندر الرقيق (ناشط سياسي) أن منبر الجمعة هو أكثر البرامج مشاهدة داعيا إلى تداولية الصعود على هذا المنبر الديني معتبرا أنه يعاني الكثير من الصعوبات. كما ضرب مثال قناة “الإنسان” مع طارق السويدان وضرورة أن يصبغ بالتنمية البشرية وتنمية القيم وشمولية الطرح وبرنامج “خواطر” لأحمد الشقيري منوها بتجربته ومشيرا أن الإعلام تمويل وإبداع داعيا للعمل على المسلسلات الدينية مثل قيامة ارطغرل للخروج من الإعلام النمطي السائد الذي يستفز الناس ويدفعهم للتطرف ورد الفعل. وختم بالتشديد على أن الخطابة فن وموهبة ونحن لا نعتني بالموهوبين على خلاف ما هو موجود في الولايات المتحدة.
من جهته أشار نور الدين عرباوي (قيادي في حركة النهضة) إلى ضرورة التركيز على التوقي من التطرف قبل التركيز على الإعلام الديني معتبرا ان هناك عدم اعتراف بدور الدين في الفضاء العام والدليل في ذلك وثيقة الاستراتيجية الوطنية لمقاومة الإرهاب التي تطرقت لمجالات مختلفة من مسرح وفن ورياضة اخ ضمن مقاربة شاملة لكنهم يمتنعون عن ادراج الدين كمقوم في مكافحة الظاهرة. كما ان ازمة الخطاب الديني هي جزء من ازمة مخلف مناحي حياتنا ولذلك افضل الحديث عن التحولات بدل الازمة. نحتاج مزيدا من التخصص في الإعلام الديني وكذلك ادماج تصور جديد للبرامج الدينية ضمن منظومة الإعلام العام وتشريك الفاعلين الدينيين في قضايا المجتمع .
أشار محمد بن علي إلى استراتيجية وزارة الشؤون الدينية التي طرحتها في 2014 ومحاولتها تشخيص الأزمة وتجاوز النقائص لكن الأمر يحتاج تشريكا أوسع ومقاربات جديدة.
وتعددت المداخلات المناقشة للمحاضرين وتناولت قضايا متعددة تنطلق من الإعلام الديني ومن التوقي من التطرف لتشمل موضوعات أخرى بعضها ديني وبعضها سياسي وبعضها مجتمعي.
في التفاعل تفاعل محمد بن حمودة مع ما طرحه صالح عطية وآخرون من ضرورة توحيد الخطاب الديني داعيا إلى التعدد حتى داخل الخطاب الواحد واعتماد العقل النقدي في تجديد الفكر. كما تناول غفران الحسايني موضوع وحدة الخطاب معتبرًا الاختلاف فيه ناجم عن اختلاف مستويات التلقي والفهم منذ الإسلام المبكر. كما تفاعل مع موضوع المرجعيات معتبرا إياه قضية حساسة خاصة لدى الشباب الباحث عن أجوبة لأسئلته ذات الطابع الفقهي أو العملي. وفي تفاعله شدَّد محمود جاء بالله على مسألة القيم ومضمون الخطاب الديني المقدم في الإعلام ومدى استجابته لتوقعات المتابعين.
افتتح الأستاذ احميده النيفر (رئيس رابطة تونس للثقافة والتعدد) مداخلات الجلسة الثانية مشددا على الرؤية التحليلية والاستشرافية لمحاولة تحديد آفاق تطور الإعلام الديني. وانطلق من وثيقة بعثها شيخ الإسلام سنة 1895 إلى الوزير الأكبر يشتكيه عبد العزيز الثعالبي وجريدته “سبيل الرشاد” معتبرا إياها سبيل الضلال ومطالبا بتعطيلها. اعتمد الأستاذ احميده هذه الوثيقة لفهم أحد معضلات الثقافة الإسلامية من حيث عجزها عن فهم وتيرة سير الأحداث في الواقع، معتبرا ان الخطاب الديني السائد لا يستحضر مقتضيات المرحلة التاريخية بما فيها من تحولات كبرى كأن عقارب الساعة الحضارية متوقفة. وأضاف النيفر ان المشكلة الأساسية لا تكمن في “كفاءة” المتكلم من عدمها بل في الخطاب الديني الذي يعيش أزمة. ومن مقومات اصلاحه ثلاث عناصر، اولاها تجاوز المخاوف الحضارية التي تنتج التقوقع عن الذات وثانيها ضرورة التعدد حتى داخل المنظومة الدينية الواحدة لأن الأحادية من مقتضيات لحظة دفاعية، وثالثها التمكن من المعارف الاجتماعية إضافة للعلوم الشرعية. وختم النيفر مداخلته بالتشديد على “فاعلية الذات” وضرورة أن يستحضر الإعلام الديني هذه المقومات الثلاث.
قدم الأستاذ كمال بن يونس (مدير عام إذاعة الزيتونة) في مداخلته 3 إجابات ممكنة عن سؤال هل يمكن للإعلام الديني الوقاية من الغلو والتشدد وهي لا ونعم ونعم لكن. وفصل في كل واحدة: أما لا فلأن الأسباب العميقة للتطرف هي أساسا التطرف في فهم مفهوم الجهاد ونصوص التكفير الذي يتغذى مما عاشته المنطقة وتعيشه من حروب وفقر وأمية وضرب في ذلك مثال العراق التي تعيش حروبا منذ بداية الثمانينات وهو ما خلق جيلا كاملا يسير نحو التطرف، معتبرا الحل ليس فكريا أو تعليميا وإنما بالأساس مرتبطا بالظروف المحيطة التي تدفع إلى التشدد مثل تجربة سيد قطب الذي تطورت تجربته من الانفتاح إلى التشدد أو الجماعات التي تشددت بفعل السجون والقمع بما فيها تجربة الاتجاه الإسلامي على حد قوله. أما نعم يمكن للإعلام الديني التوقي من التطرف إذا توفرت فيه الشروط المعرفية والمهنية والتشخيص العميق للأزمة والتمكن من مختلف الأشكال الصحفية. أما نعم ولكن فقد ارجع الأستاذ بن يونس استدراكه إلى ضرورة انتقال الإعلام الديني إلى وضع جديد إنتاجا وإعدادا وتقديما حيث أن الاغلبية الساحقة من برامج الإعلام الديني لا يؤثثها اعلاميون بل دعاة ووعاظ ولا تتناول مواضيعها تاريخ الأفكار وعلم الأصول وأسباب النزول وتاريخ الثقافة الإسلامية. وقارن بن يونس بين مدرسة المقاصد مع الشاطبي وبن عاشور وبين مدرسة الخطيب الداعية المتحمس حسب ما أوتي من فهم.
كما طرح الأستاذ بن يونس جملة من الإشكاليات المتعلقة بالإعلام الديني بين الموجود والمنشود مؤكدا على ضرورة التمييز بين الإعلام الديني وبين وسائل الإعلام الدينية الموظفة سياسيا متسائلا هل يجب أن تكون أولوية الإعلام الديني فكرية معرفية أم عقائدية تربوية وهل الأولوية للوعاظ والدعاة أم للمفكرين والعلماء وهل واكب الإعلام الديني الثورة الرقمية ومواقع التسويق الجديد وهل يمكن التوقي من التشدد قبل تجديد الفكر والخطاب الديني. وختم الأستاذ بن يونس مداخلته بالإشارة إلى فجوات يجب تداركها من قبيل تدارك غياب الإعلام الديني في الإعلام الجديد وتدارك النقص في التكوين والتدريب وهيئات التحرير المختصة.
أشار الأستاذ إبراهيم الشايبي (أستاذ بالمعهد الأعلى للحضارة وإعلامي) إلى تشوش المشهد الإعلامي الديني وانعكاسه سلبا على المتلقين رغم ما يقع على عاتقه من مهام ثقيلة تتجاوز نشر الوعي الديني العام لتؤسس مشروعا إصلاحيًا. وأشار الأستاذ إبراهيم إلى وجود نمطين من الرؤى كلاهما في طرف الأول متحامل على الإعلام الديني والثاني يروج للخطاب الرسمي وفق رؤية تمجيدية تتعامل مع الدين كبضاعة تستدر الإشهار ونسب المشاهدة. وتساءل عن نجاعة الإعلام الديني في علاج التطرف وقدرتها على استقطاب المشاهدين منتقدا الطابع الفلكلوري لبعض البرامج خلال المناسبات الدينية والجينيريك الحزين والديكور الباهت المرافق للبرامج الدينية والمجال الزمني غير الملائم المخصص لها والخطب الجمعية القديمة داعيا إلى قراءة حية للسيرة وعدم تكرار البرامج واجتهاد المعدين والمقدمين. وأكد الشايبي على إعادة النظر في التوجهات الإعلامية على قاعدة النقد الذاتي. وختم مداخلته باقتراح التزام البرامج الدينية بالأصول الإسلامية ومناصرة الثوابت الوطنية والعمل على برامج دينية للأطفال وتطوير الحس النقدي وأرشفة البرامج والاعتماد على خطط علمية وأن لا تكون الغاية في ذلك إرضاء الحكام.
في المداخلة الأخيرة أشار هيثم الإمام (إعلامي بقناة الزيتونة) إلى النمطية والتلقين والتكرار في الإعلام الديني معتبرا تجربته في الزيتونة تجربة رائدة لم تحظ بالاهتمام من خلال برامج “رتاج من الجرأة” و”كيف أحسن إليك يا تونس” و”يسألونك عن التطرف قل” و”تونسي ونص” داعيا أن يلعب الإعلام الديني دوره في التوقي من التطرف عبر بناء المواطنة الفعالة.
وأكد هيثم على ضرورة أن يحظى الإعلام الديني بالتمويلات اللازمة وأن يتمكن المقدمون من برامج تدريب وتكوين وأن يقع الاعتماد على الخبراء والمختصين وأن يتجرأ على طرح قضايا الناس.
في النقاش تنوعت المداخلات وطرح الحضور موضوعات العلاقة بين الإعلام الديني وسائر مجالات الإعلام الأخرى وإشكالية التمويل والتدريب وواقع التخصص في الإعلام الديني في كلية الصحافة وعلوم الإخبار واقترح بعضهم تكوين محفظة عناوين لقادة الرأي والمكونين والأيقونات الإعلامية الشابة للتشبيك وتساءل آخرون عن المقصود من الإعلام الديني هل هو إعلام العقائد والعبادات أم هو الإعلام بأشكاله المختلفة ذات الخلفية الدينية
في الردود أشاد كمال بن يونس بالدور الريادي الذي لعبه الإعلام الديني بمعناه الواسع من المنابر إلى الجرائد والاذاعات في مقاومة الاستعمار والتغريب وفي قيادة الحركة الوطنية. ودعا إلى ثنائية البيان والبرهان من أجل تطوير الخطاب والاداء. وأشار هيثم الامام إلى الفكر المنغلق السائد في خطاب الإعلام الديني مشددا على حاجة الناس وحاجة المؤمنين إلى برامج غير قائمة على التلقين بل على المشاركة والتجديد في الرؤية والخطاب والاداء. أما إبراهيم الشايبي فقد حذر من محاولات تشويه الدين والإعلام الديني عبر الترويج لأشخاص غير مختصين وأكد على الاختصاص والمعرفة باعتبارهما من شروط الخوض في قضايا الدين. ودعا كلية الصحافة وعلوم الأخبار والصحافيين إلى المشاركة في الموضوع. أما احميده النيفر فقد قدم نماذج مقارنة لعلاقة الدين والمؤسسات الدينية بالحياة وبالفنون داعيا إلى التفكير فيها. كما أعاد إبراز فكرة الوعي المفوت الطاغي على الفكر الديني بما يجعلنا لا نواكب زماننا.