fbpx

حوار مفتوح: كيف يكون الاجتهاد في التشريع الإسلامي في موضوع الميراث؟

نظّم مركز دراسة الإسلام والدّيمقراطيّة بالتعاون مع الرابطة العربية للتربويين التنويريين حوارا مفتوحا بعنوان “كيف يكون الاجتهاد في التشريع الإسلامي في موضوع الميراث” وذلك يوم الخميس 30 أغسطس  2018 بنزل المشتل بتونس العاصمة.

انطلقت أعمال الندوة الحوارية بكلمة ترحيبية بالضيوف وبالحضور حيث ذكر الدكتور رضوان المصمودي رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية بالانقسام الحادّ بين فئتين من فئات المجتمع التونسي بخصوص موضوع الميراث وأن غرض هذا الحوار المفتوح هو تجاوز هذا الانقسام بين من يعتمد المنظومة الدولية لحقوق الإنسان ومدنيّة الدولية للمطالبة بأن لا تكون القوانين التي تُسَنُّ في تونس ذات علاقة بالتشريعات الإسلامية بما يسوّغ لديهم المطالبة بالمساواة في الإرث بين الأولاد ذكورا وإناثا وبين من يرى على العكس أن الدولة التونسية مسلمة وأن على القوانين التي تُسنُّ بها وجوب احترام تعاليم الإسلام والنصوص القرآنية القطعية حماية للأسرة والمجتمع.

لتيسير الحوار في هذا الموضوع طرح الدكتور المصمودي على الأساتذة المدعوين وهم الدكتور اجميده النيفر والدكتور محمد الشتيوي والدكتور ناجي الحجلاوي والأاستاذ محمد القوماني والأستاذ صلاح الجورشي أسئلة توجيهية ينطلق منها كل ضيف منهم  في جولة أولى من المداخلات التمهيدية وكانت الأسئلة هي:

1- هل يمكن تطوير قوانين الميراث باستعمال الاجتهاد الديني لفهم النصوص وتنزيلها على ظروف متغيرة حرصا على مصلحة المجتمع؟ وكيف يكون ذلك؟

2 هل يمكن إيجاد قوانين تحقق مزيد من العدالة والمساواة لاستقرار الأسرة وسلامتها؟

3- كيف يمكن تطوير نظام الوصيّة بشكل يسمح للمورِّث أن يتصرف في أملاكه قبل وفاته بما يقلّص من الصراعات والمشاكل بين الورثة؟

ركز الدكتور النيفر في كلمته على أهمية الموضوع المطروح وأنه لا ينبغي المسارعة بالإجابة بالموافقة لأن مسألة المساوة في الميراث هي جزء من نظام كامل تلتحم فيه المساواة بالعدالة لذلك ينبغي أن يتدخل فيه من له المعرفة العلمية والوعي الديني المستحضر لدوافع هذا الطلب ومآلاته وأن الأنسب هو إقامة حوار وطني للتوصل إلى إجراءات إصلاحية عملية يصبح فيه توزيع الإرث بصورة تمكِّن من إعطاء الحق الشرعي لمن يستحقه خاصة من النساء.

اهتم السيد الجورشي في مداخلته  بجواز طرح قضية الإرث رغم اعتباره أنها مسألة دينية تحتاج لأن تُفهم وأن يُعالج فهم النص الديني الخاص بها وخاصة فيما يتعلق بقطعية دلالتها.

في سياق متصل تساءل السيد الجورشي عن آيتين قرآنيتين قطعيتين هما آية عقوبة الزنا وآية تحريم الربا اللتين وقع تجاوزهما رغم أنهما لا تقلاّن وضوحا من حيث الحكم والهدف عن آية الميراث ومع ذلك لا أحد ينكر ما حصل في شأنهما من تجاوز معتبرا أن الإشكال الحقيقي الذي ينبغي التركيز عليه يتحدد في العلاقة الجدلية بين النصوص المقدسة وبين الواقع الاجتماعي المتغيّر.

شدّد الأستاذ القوماني في مداخلته على أن مطلب المساواة مشروع لأنه مطلب إنساني وقرآني وأن  المساواة في الإرث مطلب في اتجاه التاريخ وأن من يُنكره كمن يريد أن يُعلي من شأن التمييز العنصري. لهذا أكد أن كل تشريع هو وليد عصره وأن الشرائع الدينية نسخت السابقة لها لهذا الاعتبار وأن ما أرساه الفقهاء فيما قاربوه من النصوص القرآنية هو فهمهم لتلك النصوص وأن المقاربات التأويلية الحديثة لا تسمح باعتبار أن هناك فهما قطعيا للنص. هذا فضلا عن ملاحظة أن منظومة الأسرة حصل فيها من التغيير ما يتطلب تأويلا للنصوص الخاصة بالإرث دون المطالبة بتغييرات كاملة وفورية.

من جهته أكد الدكتور الشتيوي في مداخلته أن الاجتهاد موضوع واسع وأن ما يُطرح اليوم بخصوص المساواة في الإرث له اعتبارات مختلفة سياسية وإيديولوجية واجتماعية ولإرضاء لأطراف خارجية لكنه لا يصدر عن مقصد اجتهادي.

أضاف الشتيوي أن الاجتهاد الشرعي لا يكون إلا في النصوص الظنية أو فيما سكت عنه الشارع أما النصوص القطعية فلا اجتهاد فيها وأن مطلب المساواة المطلقة هي مناقضة لمنطق الحياة ولنظام الكون باعتبار أن التسوية تكون بين المتماثلات وأن التفريق يكون بين المختلفات لهذا احتاج موضوع الاجتهاد إلى التخصص إلى جانب ضرورة معرفة تنزيل النص على الواقع.

نوّه الدكتور الحجلاوي في مداخلته بضرورة التدبر وأولوية التأويل نتيجة ما ران على التراث التشريعي ومنهج فهم النص القرآني من عوائق تحول دون تأويلية الفهم. في هذا قارن الحجلاوي بين ما قام به الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب من اجتهادات وما تحقق منذ انخرط الشافعي في تأويلياته للمعنى إرضاء للخليفة العباسي المنصور بما أدى إلى سدّ دروب النظر على الأجيال التالية وبما أبَّد الأمية وحكَّم المرويات والخرافات. استعرض بعد ذلك أمثلة عديدة لدعم مقولة القطع مع المنظومة المتوارثة لفهم النص القرآني خاصة ما تعلق منه بموضوع الوصية والإرث وقطعي الدلالة.

تواصلت الجولة الثانية من الحوار المفتوح مع جملة من الأسئلة الدقيقة التي طرحها الدكتور المصمودي على الضيوف الخمسة. تعلق السؤال الأول بالسياق الحضاري والاجتماعي والسياسي وهل له أثر في خصوص المطالبة بسَنّ قوانين للمساواة في الميراث. عن هذا أجاب النيفر بأن السياقات الحضارية الداخلية قد يكون فيها ما يشجع على الاجتهاد في قضية توزيع الثروة الخاصة بين الورثة لكن ليس بأي شكل مؤكدا أن السياق الدولي في هذا الموضوع أهم من الاعتبارات الداخلية والتي تتطلب تشخيصا علميا مذكرا بما صدر من الاتحاد الأوروبي سنة 2016 من مطالبة بتغيير نظام المواريث في تونس وهذا أمر يدعو إلى التأمل والاستنتاج.

اعتبر القوماني أن موضوع مراجعة المنظومة الشرعية للإرث قديم وقد عالجه الطاهر الحداد ومحمود طه وغيرهما وقد طرح الموضوع ضمن مسألة تاريخية التشريع وضرورة تطور التشريعات. لكنه في ذات الوقت ذكر أن السياق الدولي له علاقة اليوم بموضوع المساواة في الإرث وأنه لا توجد دراسات اجتماعية خاصة بالوضع التونسي قادرة على تشخيص الوضع بصورة علمية واضحة. هذا ما يجعل القوماني يطالب بتغييرات جزئية في موضوع الإرث.

من جهته رأى الجورشي أن العقل الإسلامي يفتقد الجرأة الحضارية عندما يتعلق الأمر بالاجتهاد مما يقوي من عوائق المحافظة على القديم  رغم ما يبذله رجال مثل عدنان إبراهيم وطارق رمضان وخديجة أبو زيد. لهذا فهو يرى أن الأوان قد آن لإعادة النظر في موضوع المواريث.

صرّح الحجلاوي أن القاعدة في خصوص هذا الموضوع هو أن نعيش بالقرآن وليس من أجل الفقه والتراث الديني الذي كان فعلا بشريا. من هذا يرى الحجلاوي أن التشريع الإسلامي ليس منجزا محليا بل هو للعالَمين لذا على المالك أن يقسم تركته في حياته.

أنكر الشتيوي التهجم على الفقهاء وتسخيف عقليتهم وأن المقصود به ضرب من التهجم على النص الديني الذي لم يكتف بأن حدد نصيب الورثة بل أكد رفض المساواة المطلقة حين قال تعالى: “وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا” النساء /32 مضيفا أن الاستشهاد بقولة ” كلكم راد ومردود عليه تعني أنه لا قدسية لأحد بما في ذلك الفكر الغربي الذي يعتمد في قضية الحال.

طرح بعد ذلك سؤال متعلق بهل يكون هناك اجتهاد مع نص قطعي؟ فكانت الإجابات على النحو التالي:

النيفر : لا موجب للاجتهاد في نص قطعي.

القوماني : لا أقول بوجود قطعيات وخاصة في نص المواريث.

الجورشي : المطلوب منا انتاج فكر كوني والاجتهاد يكون في نصوص قطعية.

الحجلاوي: القول بقطعية الدلالة فعل بشري فلا وجود لقطعي الدلالة في القرآن.

الشتيوي : هناك بديهيات لفهم النص بما يجعل نصوصا قطعية الدلالة.

السؤال الثالث المطروح هو: من يحق له الاجتهاد في خصوص موضوع الميراث وهل المجلس التشريعي يمكن له ذلك؟

النيفر: المؤسسة العلمية المختصة هي التي تجتهد والبرلمان يشرع في ضوء ما تنتهي إليه المؤسسات المختصة.

القوماني: لا معنى للتخصص في الأمور الدينية والبرلمان في النظام الديمقراطي هو الإطار التشريعي.

الجورشي: البرلمان هو الإطار الوحيد للتشريع وبقية المكونات المدنية لها تأثير.

الحجلاوي : أولو الأمر المذكورن في القرآن هم أعضاء البرلمان أما المؤسسات الدينية فقد سدت أبواب الاجتهاد.

الشتيوي: الاجتهاد الشرعي له أهله والنص القرآني نص مطلق صالح لكل زمان ومكان والمؤسسات المتخصصة تُستشار.

 

تعلق السؤال الرابع والأخير بتوصيات الأساتذة الضيوف وهل هناك مانع لوضع نظام اختياري في الميراث ؟ وهل يمكن تفعيل الوصية؟

النيفر: هناك إمكانيات فقهية اجتهادية تُخرج من الاستقطاب والوصية باب ينبغي تفعيله.

القوماني : المطلوب هو حرية التفكير وتحسين المنظومة التشريعية الحالية وليس تغييرها.

الجورشي …إعطاء سلطة لصاحب التركة ولا مبرر لوجود نظامين في لاتوريث.

الحجلاوي : أنا مع التخيير في نظام التوريث والوصية تحقق عدالة خاصة بينما النظام التشريعي القائم يمثل عدالة عامة.

الشتيوي : هناك مجالا الوصية والهبة يمكن اعتمادهما أما إقامة نظام تخيير فله آثار سلبية.

في الجولة الثالثة من الحوار المفتوح كان المجال للحضور الذي تمكن من أخذ الكلمة فيه عدد هام من المتدخلين وقد تركزت كلماتهم وأسئلتهم حول المسائل التالية:

النص القطعي والنص الظني.

الحاجة إلى قرارات جريئة خاصة ما تعلق بالمرأة الريفية.

هل قضية المواريث علم؟

الهيمنة الذكورية وعرقلة الاجتهاد.

تحرير المرأة مدخل لفرض الاستبداد السياسي.

أهمية الإملاءات الأجنبية.

تكامل المنظومة التشريعية الخاصة بالمواريث.

كيف نقيّم التحوّلات الاجتماعية في تونس؟

قيمة المساواة لا تنفصل على قيمة العدالة.

مراعاة موقف الشباب من التشريع الخاص بالإرث.

الفردية في الفكر الغربي محل نظر ومراجعة في الغرب.

التعليم الزيتوني الحالي وقدرته على تكوين مجتهدين.

في الجولة الرابعة أجاب الأساتذة الخمسة عما طرح عليهم من أسئلة وما أرادوا تأكيده في خصوص موضوع الندوة الحوارية فتركزت كلماتهم على الشكل التالي:

النيفر: نحن في مرحلة مفصلية وخطورتها ترجع إلى ما يبذل لتفكيك إمكانيات التجديد الضروري الذي تتولاه المؤسسات القادرة والمستقلة. لا تستطيع الحلول الحداثية المستنسخة إن تُفضي إلى تحرير ذواتنا بل غاية ما تستطيع تحقيقه هي حلول وهمية مستفيدة من ضعف الأداء المؤسساتي اللازم في موضوع الاجتهاد.

القوماني: المعرفة الإنسانية معرفة نسبية فلا مبرر للفكر الإطلاقي والنص الديني قابل للتأويل وخاصة أن نظام الإرث فيه مجالات لم تحدد في النص القرآني كحالة العم والعمة والجد. لا مفر لذلك من الحوار الهادئ الرصين ولا داعي للتخويف من الاستبداد والأهم هو الحاجة إلى تطوير الفكر وأن النساء كالرجال تماما.

الجورشي: هناك ديناميكية في المجتمع لا بد من الاعتناء بها لمجابهة الركود الفكري والفكر الذكوري المهيمن والذي لا يتيح للمرأة أن تساهم في التجديد الحقيقي الذي يخرج عن العموميات. لا بد من خلق حالة جديدة من التفكير انطلاقا من مباشرة حالات واقعية نَرُجُّ بها ما اعتدناه من أوضاع متعلقة بنظام الأسرة.

 

الحجلاوي : المنظومة الفقهية الموروثة لا تهتم بالسؤال والمراجعة لكونها بنيت تحت رقابة السلطان وفيها احتقار للمرأة عبر عنه مفسرون للقرآن مثل الطبري وابن كثير. الوصية هي الحق الذي دعانا إليه الله لأنه يوسع في عدالته بحيث يجعل عدالة خاصة لصاحب المال بالوصية وعدالة عامة بنظام التوريث حين لا توجد وصية.

الشتيوي: ليس كل التراث الفقهي سلبيا وتقسيم النصوص إلى قطعي وظني تقسيم قرآني ( المحكم والمتشابه). المجالات الظنية في الإرث (التعصيب والوصية) تتطلب اجتهادا جماعيا يساهم فيه علماء التخصص الشرعي مع خبراء في علوم أخرى. يمكن الذهاب إلى نظام الاختيار في الهبة والوصية بشرط موافقة الورثة وإلا يطبق النص القطعي.

في ختام الندوة الحوارية أكد الدكتور المصمودي على أهمية هذا اللقاء معتبرا أن مفهوم الدولة المدنية لا تعني القطع مع الدين بل تحترم قيم مجتمعها ومعتقداته وأن هذا الحوار المفتوح وضع لبنة في طريق تفاعل ضروري لفتح باب الاجتهاد الموصد منذ فترة طويلة. ثم ركز على أن الاجتهاد له قوانينه وأن الحوار الناجح هو الذي يراعي آداب الحوار لأنه بذلك يُتيح المجال لبناء مستقبل للأمة المتمسكة بثوابتها الدينية والقادرة على مواجهة تحديات العصر بنجاح.
_________
*المصدر: مركز دراسة الإسلام والديموقراطية

 

اترك تعليقاً

تويتر
فعاليات قادمة
أكتوبر

نوفمبر 2024

ديسمبر
سب
اح
اث
ثل
ار
خ
ج
26
27
28
29
30
31
1
فعاليات في نوفمبر

1

لا يوجد فعاليات
2
3
4
5
6
7
8
فعاليات في نوفمبر

2

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

3

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

4

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

5

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

6

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

7

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

8

لا يوجد فعاليات
9
10
11
12
13
14
15
فعاليات في نوفمبر

9

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

10

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

11

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

12

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

13

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

14

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

15

لا يوجد فعاليات
16
17
18
19
20
21
22
فعاليات في نوفمبر

16

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

17

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

18

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

19

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

20

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

21

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

22

لا يوجد فعاليات
23
24
25
26
27
28
29
فعاليات في نوفمبر

23

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

24

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

25

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

26

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

27

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

28

لا يوجد فعاليات
فعاليات في نوفمبر

29

لا يوجد فعاليات
30
1
2
3
4
5
6
فعاليات في نوفمبر

30

لا يوجد فعاليات