عمّان- أقامت الرابطة العربيَّة للتربويّين التنويريّين، الثلاثاء، 16 نيسان 2019، في مقرّ الرابطة بالعاصمة الأردنيَّة عمّان، ندوة لإشهار كتاب (المرأة.. بين النص والفقه؛ قراءة من خارج الإطار) للكاتب والباحث محمد رسول أبو رمان.
افتتح الجلسة التي أدارها الأستاذ عبيدة فرج الله الرئيس التنفيذي للرابطة العربيّة للتربويّين التنويريّين، الكاتب والباحث الأردني الدكتور حسن أبو هنية، الذي سلّط الضوء على قضيَّة المرأة في الإسلام، والسجالات التي أثيرت حولها تاريخيّاً منذ المرحلة الكولونيالية؛ حيث استخدمت هذه القضيّة من قبل الاستعمار والكثير من المستشرقين، للتساؤل فيما إذا كان الإسلام كاره للنساء، لافتاً إلى أنَّ وضع المرأة في الشرق والغرب لا يحدّده الدين فقط، بل يخضع إلى عوامل اجتماعيَّة وسياسيَّة واقتصاديَّة، ومشدّداً في الوقت نفسه على أهمّيّة مناقشة هذه القضيّة ومراجعتها داخليّاً وبعيدا عن الدعوات المشبوهة والمشكِّكة بقيمة المرأة في الإسلام.
كما تحدّث في الجلسة، الدكتور عامر الحافي
المفكِّر الأردني وأستاذ الأديان المشارك في جامعة آل البيت والمستشار الأكاديمي للمعهد
الملكي للدراسات الدينية، مشيداً بالجهد البحثي للمؤلِّف وأهمّية موضوعه، لافتاً
إلى أنَّ الفقه في استنباطاته العميقة كانَ أفضل لسان للنصّ، ومشدِّداً -في
المقابل- على أنَّ عدم العثور على قانون ينظِّم العلاقة بين “النصّ”
و”الفقه” كان على حساب النصّ نفسه، وتسبَّب في التيه والضياع الذي تعيشه
أمّتنا.
وأكَّد الدكتور الحافي، على أنَّ طرح
موضوع- قد يبدو فرعيّاً- مثل موضوع المرأة، لا يمكن أن يكون بعيداً عن التعامل مع
موضوع النهضة، وإعادة النظر في الفكر الديني جملةً وتفصيلاً لمفهوم النصّ التأسيسي
وكيفيّة الانطلاق من مبادئه عبر القياس والاجتهاد في سبيل تحرير المرأة بشكل خاص
والإنسان بشكل عام.
وتحدَّث في الجلسة، مؤلِّف الكتاب؛ الباحث والكاتب الأستاذ محمد رسول أبو رمان،
مشيراً إلى أنَّ التفكير في موضوع البحث، جاء في سياق الالتباس والاشتباك الظاهر بين
النصّ كنصّ وتأويل النص الخاضع للخلفية السوسيوثقافيَّة، مؤكِّداً أنَّ هذه الدراسة
لا تعدو أن تكون قراءة متسائلة لقراءة الفقهاء لموضوع المرأة ومن ثمّ المواقف والأحكام
التي بُنيت عليها، والتي يعتبرها جلّ المسلمين تطبيقاً حرفيّاً لما جاء في التنزيل
العزيز.
وأوضح المؤلّف، أنَّ البحث انطلق من فرضيَّة: (أنَّ المرأة والرجل عند الله سواء، وأن
الله أنصفَ المرأة، لكن الفقهاء لم ينصفوها). وأنَّ الله لا يتحيَّز للرجل على حساب
المرأة في شتَّى القضايا؛ من تحمُّل مسؤوليَّة أمانة الاستخلاف، والمسؤوليَّة الجنائيَّة
والفرديَّة، والمسؤوليَّة الأخلاقيَّة؛ فالأصل واحد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
ولفت الباحث، على المقولة التي تُنسب لعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه: “هذا القرآن، إنّما هو خطّ مسطور بين دفّتين، لا ينطِقُ بلسان، إنّما يتكلَّم به الرجال”؛ أي أنَّ القرآن لا يخبر بنفسه عن مراد الله على وجه التعيُّن فليس له لسان، وفي الحقيقة الذي ينطق عنه هو الإنسان الذي تتحكَّم فيه مورثاته وعاداته وتقاليده وثقافته، بدليل أننا نجد في تفسير الآية الواحدة عدَّة أقوال، وفي النهاية إنَّما هي اجتهادات ومقاربات بشريَّة نسبيّة للحقّ المطلق الذي لا يعلمه إلا الله (كلّ يتشرَّب النص ويعيد إنتاجه حسب ثقافته).
وأضاف أبو رمان، أنَّ القرآن الذي هو كلام الله، إلا أنَّهُ قابل لتفاسير شتَّى، كما أنَّ سعة دلالة مُفْرداتِه، واتِّساع آياتِه قابلة لِوجوهٍ من التَّأويل، وأنَّ كل من يدَّعي أنَّهُ يمتلك المعنى الواحد الحقيقي للقرآن، إنَّما هو يتكلَّم باسم الله تعالى وينصب نفسه في موضع العليم ذي المعرفة المطلقة، فيوهم الناس أنَّهُ يمتلك الحقيقة التي لا يمتلكها إلا الله عز وجل، فينكر حدوده البشريَّة ونسبيّته الجوهريَّة، ومع أنَّ الصحابة أنفسهم؛ وهم أقرب الناس إلى التنزيل، لم يدَّعوا أنَّهم يملكون الحقَّ المطلق.
وقال إنّ، الموضوع الأساسي الذي ركَّز عليه البحث، بحثاً وتحليلاً وتفكيكاً هو: إشكاليَّة تداخل واشتباك ما بين النصّ الإلهي المقدَّس وما بين العادات والتقاليد، وتحكُّم الخلفيَّة السوسيوثقاقيَّة في قراءة الفقيه والمفسِّر للنص الإلهي، والكشف عن منظومة الأفكار والقيم والبنية المعرفيَّة والثقافيَّة للمفسِّر والمجتهد والفقيه، والتي كانت السبب في نحت وصياغة صورة المرأة وترسيخها في المخيال الجماعي العام، فما عليك إلا أن تفتح كتاباً من كتب الفقه، أو تقرأ في تفسير آية تتعلَّق بالمرأة، لن تستغرق وقتاً طويلاً ولا فكراً عميقا، حتَّى تكتشف وجود أزمة حقيقيَّة بين المؤسَّسة الفقهيَّة والمرأة.
وأوضح الباحث، أنَّ هذه العلاقة المأزومة،
هي بقايا من تشكُّلٍ آخر للعلاقة المأزومة بين المجتمع بعاداته وتقاليده وقيمه من ناحية،
والمرأة ذاتها واعتبارها كائناً مخيفاً يجب الحذر منه وأخذ الحيطة من تحرّكاته، من
ناحية أخرى، لكن أن تنتقل هذه الأزمة إلى الفقه والتفسير والجوانب التشريعيَّة أمر
ليس بالسهل، فالمطلوب من الدين بالدرجة الأولى هو إنصاف الضعفاء، وأخذ حقّ المسكين
من القوي، وتحقيق العدالة والمساواة والكرامة الإنسانيَّة. لافتاً أنَّ جزءاً من المشكلة
هو التكوين الفكري والسيكولوجي للفقهاء أنفسهم، فيجب ألا نغفل أنَّ أبناء المؤسَّسة
الفقهيَّة أصلا، أبناء البيئة العربيَّة “والإنسان ابن بيئته”؛ كما يقول
ابن خلدون.
اعتمد البحث، كما قال أبو رمان، على الحوار المباشر مع النصوص والخطابات التي مثَّلت
الأس المعرفي الذي انبنت عليه أنظمة الثقافة والفكر في السياق العربي، للكشف عن
الأنساق الفكريَّة والمرجعيّات الثقافيَّة التي وجَّهت الحضارة العربيَّة
والإسلاميَّة التي أدَّت إلى اجتراح آفاق نظريَّة ومعرفيَّة بعينها، وأنَّ التراث
الإسلامي العربي خضع لخلفيَّة سوسيوثقافيَّة مضمرة، تولّت صياغة الرأي وتوجيه
الموقف من المرأة.
لكنه في البداية، سلَّط الضوء على وضع المرأة عبر التاريخ بعجالة سريعة، لنرى أن الثقافة إنما هي انعكاس للواقع الذي كانت تحياه، وأنَّ الثقافات تنتقل من حضارة إلى حضارة، ومن أمَّة إلى أمَّة، وأنَّ المعرفة البشريَّة تتراكم. ومن ثمَّ كيف انتقلت الأفكار إلى سلوك، عن طريق عمليَّة التطبيع المساهمة في إنتاج استعدادات دائمة، ثمّ كيف باركها الفكر اليهودي المسيحي؛ وذلك لإعادة المفاهيم نفسها المكوّنة لهويَّة الجنسين بإلباسها لباسا دينيّاً يظهر من خلال قصَّة آدم وحواء، وكيف توارث العرب في جاهليتهم هذه الثقافات التي تحقِّر من شأن المرأة.
يرفض الباحث، الهيمنة الذكوريَّة باسم الدين محاولا تفكيك الفكرة المطروحة عن المرأة، ويعرض البحث صورة الذكر والأنثى كما عرضها القرآن من دون أدنى تمييز وكيف استطاع الرسول أن يحرِّر المرأة من هذا الموروث الثقافي الجاهلي الذي يحتقر المرأة ويعلي من شأن الذكر من خلال التجربة النبويَّة ونصوص صحيحة تناغمت مع القرآن الكريم.
ومن ثم يعمِّق البحث في كيفيَّة تفاعل مجتمع الصحابة ومن بعدهم التابعين مع القرآن الكريم والهدي النبوي الذي ما جاء إلا ليحرِّر المرأة، وكيف أثَّر الموروث في عصور تدوين الحديث الشريف وتدوين الفقه على أيدي الفقهاء الذين كانت قراءتهم للنص الإلهي والهدي النبوي تتستَّر خلف خطاب السلطة والهيمنة للذكر على الأنثى، لكن بعد أن أعادوا هذه الهيمنة وألبسوها لباس الدين من خلال الحوار مع النصوص.
وأضاف أبو رمّان، أنّ هذا البحث يركّز على تحليل خطاب المرأة ضمن أطر المدونة الفقهيَّة والتراثيَّة، للكشف عن تحيُّز الفقه في مجمله للذكر والنظرة الدونيَّة للمرأة على أنها جسد ومجرَّد متعه للذكر، وأنها ما خلقت إلا لهذا الهدف من خلال أقوال الفقهاء والمفسِّرين، والخطابات الإسلاميَّة المختلفة الحديثة والمعاصرة، لافتاً أنه لكي نقف على حقيقة المشهد الذي صوَّرته المؤسَّسة الفقهيَّة للمرأة، لا بدّ من دراسة قضيَّة المرأة ودورها الاجتماعي العامّ، وجدليَّة تفاعلها مع فرضيَّات ومتطلَّبات الواقع بكل إرهاصاته وتعقيداته، والبحث في غمار المفاهيم التي يشتدُّ القلق حولها في الخطاب الإسلامي والتي عكست مدى الارتباك الملحوظ في إشكاليَّة التعاطي مع هذه القضيَّة داخل إطار المنظومة الثقافيَّة الإسلاميَّة.
ومن خلال هذه النصوص المتعلِّقة بالمرأة، نجد الفقهاء قد حرصوا كل الحرص على تعبيد المرأة للرجل وفرض الطاعة للرجل بقوَّة النصوص، على اعتبار أنَّ الزوج مقدَّس، وهذا أخبث أشكال عداء المرأة هو الملبّس بالشرعيَّة الدينيَّة لجعلها ترضى بدونيّتها لك، “فتكون مقاومته معصية، والرضا به طاعة”.
وأشار الباحث إلى أنّ ما سبر غوره من نصوص ومواقف خلال هذا البحث تُسفر عن مدى الأزمة بين المؤسَّسة الفقهيَّة والمرأة من خلال هذه الصورة التي رسمها الفقهاء للتقليل من شأن المرأة وعرضها بشكلٍ مهين، فقامت بإدخال تفصيلات وتعليلات لتكريس التسلُّط الذكوري، وأبرزت حقوق الرجل، فيما تغافلت عن حقوق المرأة.
وأكّد محمد رسول أبو رمان، أنّ بحثه خلص إلى:
– أنَّ القرآن هو “المرجعيَّة المعياريَّة ” لكل القضايا التي تتعلَّق بالمرأة وغيرها والتي فُسِّرت تفسيراً ذكورياً، وما توصَّل إليه الفقهاء والمفسِّرون، إنَّما هي اجتهادات وليس بالضرورة أن تكون هي المعنى الحقيقي أو الوحيد للنصّ القرآني، وأنَّ الدين بمثابة الحارس المستأمن على قضيَّة المرآة وشخصيّتها المعنويَّة والاجتماعيَّة والإنسانيَّة والذي طالما حرَّرها من قيود وتقاليد كانت تجور على المرأة.
- أنَّ هذا التراث الفقهي، هو أيضاً، نتاج سياقه التاريخي والثقافي وما شكل هذا السياق من افتراضات معيَّنة بخصوص الأنوثة والذكورة والجنسويَّة، وهذه الافتراضات كان لها تأثير كبير في الأحكام التي استنبطها الفقهاء الأوائل والتي أصبحت على مدى العصور الدعائم الشرعيَّة) وفيما بعد القانونيَّة (التي تشكِّل قانون الأحوال الشخصيَّة.
-أنَّ الذي فسَّر القرآن هم بشر تتحكَّم فيهم بشريّتهم القاصرة عن إدراك المعنى والتأويل والتفسير للنصّ الإلهي من جميع جوانبه وبكل حيثيّاتها ولا يعلم المعنى الحقيقي المطلق إلا الله، ” وما يعلم تأويله إلا الله “.
– اتِّساع دائرة المقدَّس لتضم تفاسير وتأويل الفقهاء والمفسِّرين، بل ومقولات بعض الشيوخ والوعاظ أو ما يسمى اليوم بالدعاة.
– إنَّ السبب في ذكوريَّة غالبيَّة الفقه الإسلامي لا يعود إلى الإسلام نفسه، باعتباره مطلباً دينيّاً، إذ ليس في الإسلام ما يمنع المرأة أبدا من أن تتمتَّع بجميع حقوقها، وأرى أن السبب في ذلك يرجع إلى كون المجتمع الإسلامي نفسه كان ولا يزال مجتمعا ذكورياً بامتياز، فكان لابد من انعكاس ذلك على المنتج الفقهي بالضرورة، وعدم استقلاليَّة تفسير النصوص عن الواقع الاجتماعي والثقافي والبنية الاقتصاديَّة والسياسية، حيث أن المفسِّرين والفقهاء فسَّروا النصَّ وأسّسوا الفقه وفق سياقاتهم الزمنيَّة واشتراطاتهم الاجتماعيَّة انطلاقاً من الخلفيّات السوسيوثقافيَّة بوعي أو بغير وعي.
وأكّد أبو رمّان، على أنَّ ما توصَّلت إليه البشريَّة في العصر الراهن في حقوق المرأة يتَّفق تماماً مع ما جاءت به الشريعة، وأنَّ مراجعة المدوّنة الفقهيَّة يفتح أمامنا آفاقاً على جميع المستويات المتعدِّدة لفضاء المعنى في القرآن انطلاقاً من مقصد وروح النصّ القرآني من حيث مبادئه العامَّة ( الإنسانيَّة، العدالة، والمساواة، والحرّيَّة، والرحمة)،لأنَّ طبيعة النصّ القرآني خصبة ثريَّة، ناضجة، متكاملة على مستوى اللغة والدلالة، وبالتالي يمكن أن نقدِّم فكراً إسلاميّاً مستنيراً بنور القرآن والتجربة النبويَّة، وباجتهاد جريء يثبت أنَّ الإسلام غني بإمكانيّات التعبير عن كافة الإيجابيَّات في الفكر الإنساني ونستطيع أن نقدِّم الحجَّة الواضحة على أنَّ في الثقافة العربية والإسلاميَّة معيناً ثرياً يمكن البحث في طيّاته لاستخراج المعاني الرفيعة التي تنسجم مع ما وصلت إليه حضارة البشريَّة من تطوّر في مجال الفكر الإنساني.
شهدت الندوة التي حضرها عدد من الشباب والمهتمّين والفاعلين في مجال التنوير الديني، نقاشاً موسّعاً، أجاب فيه الباحث أبو رمان والدكتور أبو هنية والمفكّر الحافي على مداخلات الحضور واستفساراتهم.