الكاتب: عبد الصمد البلغيثي
نظَّمت كلية الآداب والعلوم الإنسانيَّة ظهر المهراز بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، درسا افتتاحيّا لموسمها الجامعي 2019/2020 من إلقاء الأستاذ الدكتور جمال راشق أستاذ الفلسفة الإسلاميَّة بجامعة القاضي عياض وعضو مختبر الفلسفة والتراث في مجتمع المعرفة بكليَّة الآداب بمراكش، وذلك يوم الجمعة 12 أكتوبر 2019 صباحا.
وجاء هذا الدرس الذي حضره ثلَّة من الباحثين الأساتذة والطلب تحت عنوان:
“مدرسة فاس ومساهمتها في أبحاث الفلسفة العربيَّة”
من خلال الدرس الذي قدَّمه الدكتور جمال راشق والتفاعل والنقاش الذي دار حوله، يمكن أن نقسم الدرس إلى مراحل أساسيَّة هي:
في البداية أكد الدكتور جمال راشق على أن البحث في الفلسفة العربيَّة الإسلاميَّة بصفةٍ عامَّة يسلك طريقان:
ثم يؤكِّد على أن درسه وموضوعه “سيكون بالأساس عن التقليد النصِّي، ماذا نفهم من هذه التسمية؟ وما هي مواضيعه؟ وما هي أدواته؟”
هكذا يكون التقليد النصِّي حسب الدكتور جمال راشق هو نمط من الاشتغال على الدراسات الفلسفية يهتمّ بالنصّ الفلسفي تحقيقا وصناعة ودراسته بمنهج معيَّن ألا وهو المنهج الفيلولوجي.
ليحدِّد في مرحلةٍ أخرى من الدرس الأهداف الأساسية لهذا النمط من البحث كالتالي:
1.ت حقيق النصوص وترجمتها ودراستها إلى لغات غير اللغة الأصليَّة.
2. إعداد ببليوغرافيات جديدة لأعلام الفلسفة ومعاجم وموسوعات متخصِّصة.
3. اكتشاف النصوص المنسوبة والكشف عن كتب مفقودة.
4. الكشف عن تاريخ النصوص وتأثيرها على مذاهب فلسفيَّة.
5. التقاطعات الحاصلة بين المدارس والحقب التاريخيَّة.
وبما أنَّ عنوان الدرس يسلِّط الضوء على فاس ومدرستها الفلسفيَّة، فإنه في هذه المرحلة من القول أبرز الدكتور جمال راشق تميّزها في الأبحاث الفلسفيَّة عن مدرسة الرباط، والدور الذي لعبه المرحوم جمال الدين العلوي في تأسيس تميُّز هذه المدرسة بأبحاثها في النصوص ودراساتها الفيلولوجيا. وذلك منذ بداية الثمانينيات والتي تشكَّلت من خلال التعاون العلمي بين الباحث endress Gerhard و ج.العلوي، وحسب الدكتور جمال راشق فقد أثمر جهد ج. العلوي تأسيس مركز الدراسات الرشدية، من أجل بلورة مشروع الاشتغال على النصوص تحقيقا ودراستها بالمنهج الفيلولوجي.
وهو المشروع الذي أثمر مجموعة من الأعمال المهمَّة من خلال ترسيخ هذا التقليد لدى أساتذة باحثين منها على سبيل المثال:
1.ابن باجه فيلسوف سرقسطة وفاس سيرة وأعمال، جمال راشق، ط.1، دار النشر فضاء أدم، مراكش،2016.
2.بين الحكيم والوزير، رسائل فلسفيَّة بين ابن باجه وابن الإمام، دراسة وتحقيق: جمال راشق، ط.1، دار النشر فضاء أدم، مراكش، 2017.
3.مؤلفات ابن باجه، جمال الدين العلوي،دار الثقافة بيروت، دارالنشر المغربية، الدارالبيضاء،ط.1، 1983.
4.تعاليق ابن باجه على كتاب العبارة للفارابي، تقديم وتحقيق أحمد العلمي حمدان، عبد العزيز لعمول، محمد قشيقش، مركز الدراسات الرشدية بفاس، 2015.
5.تعليق على كتاب المقولات لأبي نصر الفارابي، تحقيقي محمد ألوزاد، مركز الدراسات الرشدية بفاس،2002.
6.الفارابي شرح المقالة الأولى وصدر المقالة الخامسة من كتاب الأصول لأقليدس، تقديم وتحقيق وتعليق محمد قشيقش، ساعد في تهميشه جمال راشق ومحمد مساعد تحت إشراف ومراجعة أحمد العلمي حمدان، مركز الدراسات الرشدية بفاس، 2003.
7.كلام في القياس لأبي بكر إبن باجه، تحقيقي محمد مساعد وجمال راشق ومحمد أبوحفص، مركز الدراسات الرشدية بفاس، 2009.
ومما يدل على ترسيخ هذه المدرسة وامتدادها في الجامعات المغربيَّة، حسب الدكتور جمال راشق هو عمله على ترسيخها بجامعة القاضي عياض بمراكش وبمسلك الفلسفة من خلال دروسه الجامعية حول التحقيق والكوديكولوجيا أو أبحاثه في النصوص وتحقيقها والندوات التي ينظِّمها حول الموضوع.
وقد امتدَّت هذه المدرسة أيضا مع الدكتور محمد أبو حفص بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، والذي رسخها من خلال إدماج علم التحقيق ضمن وحدات التكوين وفي موضوع الماستر الذي يشرف عليه.
وفي الأخير أنهى الدكتور جمال راشق درسه الافتتاحي بدعوتين موجهتين للباحثين والمهتمِّين:
الأولى: دعوته إلى مشروع يبحث في نصوص الفلسفة بعد ابن رشد وذلك من خلال نصوص العقيدة والمنطق، لأنه نادرا ما نعثر على نصوص صريحة في الفلسفة بعد القرن الثامن.
الثانية: دعوته إلى إنتاج قاموس مغربي تحت عنوان “أعلام المغرب في العلوم العقليَّة من القرن الثامن إلى منتصف القرن العشرين”.
ثم كان لا بد له قبل الختم أن يعترف بقلق وأمر يدمي القلب ويقول: “فبكل أسى وحزن نلاحظ ويا للأسف، عدم إقبال الطلبة والباحثين على هذا النوع من الأبحاث والدراسات، بل يتلقَّى هؤلاء الطلبة اقتراحات هذه المواضيع بنفور كبير، بينما الأمر عكس ذلك تماما في دول أوربا، فإيطاليا لوحدها حبلى بعشرات الباحثين المتنافسين في هذا الشأن، والإقبال الكبير من الباحثين الأتراك اليوم على هذا النوع من الاشتغال”.