ألقى وزير الثقافة الدكتور باسم الطويسي كلمة، خلال احتفاليَّة “إعلان عمَّان عاصمة التنوير 2019” التي أُقيمت في المركز الثقافي الأردني، وفيما يلي نصّها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحضور الكريم
الأصدقاء والضيوف الأعزّاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسمحوا لي في البداية، أن اتقدَّم بجزيل الشكر من الأصدقاء في الرابطة العربيَّة للتربويِّين التنويريِّين على هذه المبادرة الواعية باختيار عمَّان مدينة للتنوير، كما أرحِّب بضيوف الأردن من المشاركين في هذا الملتقى الذي يأتي في توقيتٍ دقيق؛ نحنُ فيه بأمسِّ الحاجةِ لطرح أسئلة التنوير والعقل والمعرفة.
لقد أُسِّسَت العاصمة الأردنيَّة عمَّان في مطلع القرن العشرين الماضي على التنوير القائم على الوسطيَّة والقبول بالتعدُّد والتنوُّع والتسامح والعيش المشترك والتوافق، واليوم تتَّكئ عمَّان على إرثٍ كبير من الخبرةِ الثقافيَّة في إدارة التعدُّد والتنوُّع وفي بناء القيم الثقافيَّة المشتركة، فلا توجد عاصمة في المنطقة راكمت من خبرة في إدارة التنوُّع الثقافي كما فعلت عمَّان، ولا توجد مدينة في الإقليم حافظت على التوافق الثقافي بين المقيمين فيها كما يفعل الأردنيُّون في عمَّان اليوم، ولا توجد تجربة مماثلة لممارسة التنوير باعتباره فعلاً ثقافيّاً يمارسه الناس في سلوكهم اليومي كما هو الحال في تجربة عمَّان المعاصرة.
وعند الحديث عن روح عمَّان التنويريَّة، فلا بد من الالتفات إلى مجموعة الحقائق الصلبة والوقائع، وأبرزها أنَّ عمَّان اليوم تحتضن مئات الآلاف من اللاجئين من 57 دولة في العالم، وهم من الفئات الضعيفة والهشَّة التي منحها الأردن الأمل والقدرة على التشبُّث بالحياة، ما دفع المفوضيَّة السامية للأمم المتَّحدة لشؤون اللاجئين منح عمّان لقب (مدينة النور 2019)، وفي الوقت نفسه تحتضن عمّان اليوم مقيمين من 108 جنسيّات من مختلف أنحاء العالم.
وتنعكس هذه الحقائق في فلسفة الدولة الأردنيَّة الثقافيَّة والدينيَّة والسياسيَّة، كما يعبِّر عنها الخطاب الرسمي للدولة، فلقد قدَّم جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله سلسلةً من المبادرات التي جسَّدت عمق الوعي الوطني لقيم التنوير الثقافي والديني والسياسي، ولعل سلسلة الأوراق النقاشيَّة الملكيَّة التي دأب جلالة الملك على تقديمها للنقاش العام منذ عام 2012 تعدّ أحد أبرز الأمثلة النادرة في العالم على الطريقة التي يشارك فيها القادة في إدارة النقاش العام، بحثاً عن الإصلاح والتحديث وحماية حقّ المجتمع في بلورة خياراته الثقافيَّة والسياسيَّة. وقبل ذلك كانت عمَّان حاضنة لسلسة أخرى من المبادرات الإصلاحيَّة التي تصبُّ في إعادة تعريف التنوير الديني والثقافي والتنوير السياسي، أبرزها (رسالة عمّان) ومبادرة (كلمة سواء) في عام 2006 التي دعت إلى البحث عن أرضيَّة مشتركة بين المؤمنين كافة والدعوة إلى استمرار الحوار.
وفي المجال التعليمي والتربوي، فلقد أضافت الأمم المتَّحدة هدفا ثالثا للتعليم في القرن العشرين إلى جانب التعليم من أجل المعرفة والتعليم من أجل العمل وهو التعليم من أجل العيش معا، ولقد جسَّد النظام التعليمي الأردني الهدف الثالث منذ وقت مبكِّر في القيم التنويريَّة التي تبنَّاها وفي حالة التحسين المستمرّ والرغبة دوما في المزيد من التحديث، ولعل النقاشات التي يشهدها الأردن منذ نحو خمس سنوات حول المناهج وإصلاح النظام التعليمي إلا الدليل الأكيد على حيويَّة المجتمع ورغبته الدائمة في المزيد من التطوير والتجاوز رغم الظروف الصعبة ومحدوديَّة الموارد. ولعل المبادرة الحكوميَّة الأخيرة بإدخال التربية الإعلاميَّة والمعلوماتيَّة إلى النظام التعليمي في المدارس والجامعات تعدّ بلا شكّ خطوة تنويريَّة وإصلاحيَّة تجعل الأردن رائدا في المنطقة في التكيُّف مع التحوّلات التكنولوجيَّة والعالميَّة التي يشهدها العالم.
أيُّها الحضور الكريم.
إنَّ وزارة الثقافة، إذ تؤكِّد شكرها وتقديرها لهذه الخطوة بمنح عمَّان لقب مدينة التنوير، فإنَّها تؤكِّد الالتزام بقيم الدولة الأردنيَّة الثقافيَّة في تعزيز قيم الوسطيَّة الثقافيَّة وبأنَّ الحوار منهجيَّة للحياة والتقدُّم، كما هو الحال في أنَّ احترام الحقّ في الاختلاف لا يعني حرمان المجتمعات من بناء التوافقات، فالحضارة الإنسانيَّة شُيِّدت على التوافق والعيش المشترك، وعلى هذا الأساس سوف تسعى وزارة الثقافة خلال المرحلة القادمة إلى بلورة هذه القيم من خلال رؤية تقوم على اربع آليَّات أساسيَّة، أولا: الانتقال بالاشتغال على الثقافة من النخب إلى الناس عامَّة؛ أي المزيد من التمكين الثقافي للمجتمعات، وحماية الحقوق الثقافيَّة لكافة الفئات وتدشين حالة من الحماية الثقافيَّة المنتجة في وجه التحوّلات الاقتصاديَّة والاستراتيجيَّة القاسية التي شهدتها وما تزال تشهدها المنطقة، ثانيا : توظيف الإبداع والابتكار الثقافي لتقديم المزيد من الحلول الثقافيَّة للقضايا الاجتماعيِّة والاقتصاديِّة والسياسيِّة، وثالثا: سلسة من السياسات الثقافيَّة التي تسعى للتكيُّف الثقافي الإيجابي مع التحوُّلات التكنولوجيِّة وتحديدا الرقميَّة، ورابعا : سلسلة من شبكات الاتِّصال الثقافي الموجَّهة نحو الداخل والإقليم والعالم.
أيُّها الحضور الكريم،
لقد شهدت المجتمعات العربيَّة في سنوات العقد الأخير حالةً من الهشاشةِ الثقافيَّةِ غير المسبوقة التي كانت عامل هدم وأدَّت إلى خسائر بشريَّة واقتصاديَّة كارثيَّة، لقد تآكل الرأسمال الثقافي العربي خلال هذا العقد بشكلٍ لم نشهده منذُ عقودٍ طويلة، ولعلّ حالة الاقتتال والحروب الطائفيَّة وغياب التوافق الوطني على مفاهيم جامعة للهويَّات ومفاهيم توافقيَّة للإصلاح تعود في الجذر القريب والبعيد إلى حالة الهشاشة الثقافيَّة ذاتها، ما يجعلنا نجزم اليوم، بأنَّ الثقافة اليوم أصبحت هي الحل.
مرَّة أخرى، أُكرِّر شكري وتقديري على هذه الخطوة الكبيرة بتسمية عمَّان مدينة التنوير، ونتمنَّى لكم المزيد من النجاح والتوفيق.
فعلا الثقافة هي الحل،بدءا من ثقافة الحوار السياسي وصولا الى الحوار الاقتصاد_الاجتماعي مرورا بالحوار الديني،لماذا جاء الحوار السياسي في المرتبة الاولى؟لان العمل السياسي ،بدءا من وضع خريطة النظام السياسي، تعيثر اهتمام خاص الى سيادة القانون و الى احترام التناوب عن الحكامة،لا للتوريث السياسي ،لا لتحالف السلط السياسية و الدينية و الاقتصادية و العسكرية،وصولا الى تقييم نتائج العمل السياسي على ارض الواقع الاجتماعي و الديني و الاقتصادي، مرورا بمسائل و وسائل تفعيله،بكل موضوعية و صرامة بتساوي لبن مختلف شرائح المجتمع،تم لماذا الحوار الديني في المرتبة الثانية ،لان تحرر العقل و التعايش و التسامح مع مختلف العقائد و المذاهب الفكرية،عمل جد مرتبط بالاصلاح الديني،و اسقاط كل ما من شأنه خلق فتن وصراعات عقائدية و طائفية،كمعتقد الاحساس بتفوق مبادئ هذه الديانة عن غيرها،او خطابات دينية تسقط او تهمش مصداقية الاديان السابقة،مصداقا للاية القائلة:لكم دينكم و لي ديني،و اخيرا مصداقية و موضوعية الحوار الاقتصادي ،الذي من شأنه ان يضمن دخل محترم و شريف يجعل الكائن البشري في غنة عن الفساد المالي ،الذي سرعان ما ينتقل الى فساد سياسي و اداري و خلقي و سلوكاتي بين البشر…