هيثم حسّان
قدّم مؤتمر “الإسلاميون بعد عشرة أعوام من الربيع العربي”، الذي عقده معهد السياسة والمجتمع، بالتعاون مع مؤسسة “فريدريتش إيبرت” أمس الأحد قراءة نقدية عميقة لتجارب 3 أحزاب سياسية إسلامية في السلطة، في المغرب وتونس ومصر، عبر أوراق بحثية متنوعة.
وفي ورقته، التي قدمها للمؤتمر الباحث المغربي الدكتور عبدالحكيم ابواللوز، عرض الخبير بالحركات الإسلامية، لأبرز التحديات التي مرّ بها حزب العدالة والتنمية المغربي، في ظل “ديموقراطية هجينة”، بالمعنى العلمي للمصطلح، مشيرا إلى مرونة الحزب في التعاطي مع التحديات منذ عام 2003 بعد تفجيرات الدار البيضاء عندما أرغمته الدولة على الاستجابة لتقليص عدد مرشحيه في الانتخابات المحلية، وكذلك بعد عام 2011 عندما شارك احزابا مناقضة له آيديولوجيا بل مناوئة لتوجهاته في تشكيل الائتلاف الحكومي، ولاحقا عندما وافق على تعديلات قوانين تتناقض مع آيديولوجيته، مثل القبول بفرنسة التعليم وزراعة القنب الهندي، وأخيرا التطبيع مع إسرائيل، وهي ثالثة الأثافي، أو الضربة القاصمة.
ويرى أبواللوز أن تلك المرونة التي انتهت بتقديم تنازلات مؤلمة آيدولوجيا وسياسيا وشعبيا من قبل حزب العدالة والتنمية تحمل في طياتها تبعات كبيرة، حيث أنها ستكون على حساب رصيده النضالي ناهيك عن تأثيرها على تركيبته الداخلية، ما يجعل الحزب يرتطم بالعديد من الإشكاليات، وهو ما يعيد إلى الذاكرة تجربة حزب الاتحاد الاشتراكي الذي بدا رقما صعبا في المعادلة المغربية وتوارى إلى أن أصبح رقما عاديا.
وفي قراءته لمستقبل تجربة حزب النهضة في تونس، تنبأ الكاتب والباحث المتخصص بحركات الإسلام السياسي صلاح الدين الجورشي بتلاشي الحركة من الحياة السياسية التونسية، حيث ستعاني التحجيم في البداية ثم الاضمحلال وربما تتعرض للانقسام ولاحقا الاختفاء بشكل متدرج، سيما بعد مرحلة راشد الغنوشي، الذي يعد العنصر الجامع في الحركة بالوقت الراهن.
الجورشي، الخبير بحركة النهضة، والذي واكب مسيرتها من بدايتها، لم يكن يقرأ في فنجان أو يبحث عن الطالع في ورقته البحثية، بل بقراءة علمية ومنهجية رصينة ترصد الظاهرة رهن الدراسة، حيث أشار إلى أن حركة النهضة فوجئت بالوصول إلى السلطة وتبوء الحكم، والتي بدت حلما ثم سرعان ما تحولت إلى كابوس، ناهيك أن الحركة لم تكن تملك أي برنامج أو رؤية أو نظرية سياسية أو اقتصادية، ما أرغمها على الدخول في سياسة التجربة والخطأ، ووضعها أمام تحديات غير مسبوقة، حاولت خلالها التكيف مع المرحلة الجديدة دون أن تفقد هويتها الأيديولوجية الإسلامية أو هويتها كحركة تسعى لتأطير المجتمع، كما أصبح لها تحالفات براغماتية وصلت إلى حدّ الانتهازية السياسية، بهدف البقاء في السلطة، لكنها اصطدمت بالأحزاب الأخرى اليسارية والليبرالية، ومع النقابات والإعلام والمرأة، فتحولت السلطة بالنسبة لها من فرصة إلى ورطة، جعلها تقف أمام حالة مساءلة خارجيا وداخليا وتنظيميا.
ويرى الجورشي أن الحركة ينتظرها مجموعة متغيرات وصعوبات، وأن مكاسبها أصبحت وراءها، فالعشر سنوات الأخيرة ستشكل مجدا غابرا لن يتكرر.
تلك القراءة وإن بدت تشاؤمية، لكنها تشي بعمق الأزمة التي تعاني منها حركة النهضة التونسية التي خضعت لمحاكمة الواقع، وارتطمت بصعوبات ممارسة السلطة، وقد تسهم في أن تعيد الحركة قراءة مسيرتها وتعمل على تقويم تجربتها قبل فوات الأوان.
ورقة الباحث والدكتور احمد شلاطة عن تجربة حزب الحرية والعدالة في مصر، لم تكن أقل تشاؤمية، حيث أشار إلى أن صدمة الحزب الكبرى تمثلت بسرعة فقدانه للسلطة، وخلال مدة قصيرة من حكمهم، الأمر الذي أدى إلى تراجع خطابها الإصلاحي، وتعاظم التوجه الثوري (العنفي)، ما يعني نمو الخطاب القطبي المتشدد وضمور خطاب البنا المعتدل، ناهيك عن الخلافات بين القيادة والقواعد حول المعتقلين في السجون، والمنفيين خارج البلاد.
وفي مناقشتها لورقة الدكتور شلاطة، طرحت الأكاديمية المصرية الدكتورة هبة رؤوف عزت سؤالا جوهريا عن آلية صنع القرار في الصندوق الأسود للإخوان المسلمين في مصر، مشيرا إلى ما أسمته ثقبا أسودا في الإعلان الدستوري على سبيل المثال، وكذلك بعد سري داخل الجماعة مازال غامضا. توافق الباحثون مع ماطرحته عزت، وبقي السؤال معلقا.
وقد أثرت مداخلة الباحث والمتخصص بحركات الإسلام السياسي، الدكتور خليل العناني، الجلسة في ختامها، مشيرا إلى أهمية قراءة السياقات لتفسير السياسات، بغض النظر عن التبريرات، متسائلا عن حقيقة نقل السلطة للإسلاميين في الحلات الثلاثة، المصرية والتونسية والمغربية، وهل جرى فعلا نقل قوى السلطة وبنيتها من فاعل إلى آخر، بمعنى هل حكم الإخوان فعل بشكل لأو بآخر، ومن يحكم ماذا ومن يسيطر على من في عملية صنع القرار، هل تنازل المخزن عن السلطة أو بعضها لحزب العدالة والتنمية في المغرب، وهل تنازل العسكر عن السلطة او بعضها لحزب الحرية والعدالة في مصر.
تتباين تجارب الأحزاب الإسلامية الثلاثة في السلطة، لكنها تتشابه في التحديات والسياقات، وربما السياسات والمآلات، لكن بالضرورة أن الأحزاب الثلاثة في السلطة وما بعدها ليست كما قبلها، وهو ما يقتضي قراءة “آثار العدوان”، أو السلطة على تلك الأحزاب، ومعرفة ماذا أعطتها وماذا اخذت منها وما الذي بقي منها..وما البديل عن أحزاب الإسلام السياسي إذا ماتلاشت أو انتهت كمدن الملح.
الجلسة البحثية حول الإسلاميين في الحكم بدأت بقراءات استشرافية تشاؤمية، لكنها انتهت بتساؤلات معلقة، تثير الكثير من الفضول، وتغري بالمزيد من البحث والنقاش، الذي ربما يتسنى في جلسات، مقبلة، سواء في مربع المعارضة والحروب الداخلية، او التجربة السلفية، أو سياسات الإسلاميين الإقليمية والدولية، أو الإسلاميين والمرأة.