اهتمّ تقرير “حالة التنوير في تونس” بالبحث في جذور فرادة التجربة التونسيّة وما تعيشه من انتقال ديمقراطيّ ومسارات استثنائيّة، مقارنة بما يتلاطم في المحيط العربيّ من أمواج عنف ونزاعات وتحارب. إنّ تجربة تونس التنويريّة ليست وليدة الصدفة، بل متجذّرة تاريخيًّا بما أشرنا إليه من محاولات المفكّرين التونسيّين في القرن التاسع عشر تقريب الفكر الإنسانيّ ومظاهر الحضارة الجديدة من أبناء هذا الوطن.
هذه الشعلة من الاصلاحات وإن لم تمثّل حركة تنوير منظوميّة ومتراصّة الروافد، فقد شكّلت أرضيّة خصبة وعناصر تنتظر المناخ المناسب، لتثمر وتينع أزهارها. وما يسرته الدولة الوطنيّة وسعيها إلى سقي البذور الأوّليّة بالتعليم وتشييد المدارس، التي مهّدت لاسترجاع التونسيّين ذاتهم المسلوبة، والشروع في عمليات البناء المؤلّفة بين المنجز على الأرض من مؤسّسات ديمقراطيّة ودستوريّة وتحرير للعقل وإطلاق العنان للإرادات والعزائم لبناء الإنسان/ المواطن المتنوّر الذي يؤجّر عقله لأي جهة كانت.